وكالة أنباء الحوزة - تُعدّ ولادة النبي (ص) من أعظم النِّعَم على البشريّة ومن أوفر المِنن عليهم، فوسط أجواءٍ ملبّدةٍ بغيوم الجهل والشرك والوثنيّة وسطوة القويّ على الضعيف وتحكّم الغنيّ بالفقير، وفي فترات التأريخ الغابرة وأوراقه السوداء الملطّخة بالعمى القَبَليّ والانصياع الجاهليّ، كانت أرضُ مكّة المكرّمة على موعدٍ فريدٍ من نوعه لم يشهد تأريخ البشريّة لا من قبل ولا من بعد مثله، حيث ميلاد رحمة العالمين خاتم الرسل والأنبياء(عليهم السلام) النبيّ الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
كان العالم برمّته في السابع عشر من ربيعٍ الأوّل من عام الفيل سنة (571) للميلاد، على موعد ولادةٍ تنتشل الأمّة من وهدتها وتطيح بالظلم والطغيان والاستبداد والجاهليّة والخرافة والوثنيّة، وتضع الأمور في نصابها وتعيد الكرامة الإنسانيّة، وترتفع بالبشريّة من حياة الذلّ والضياع نحو حياة العلم والفضيلة والثقافة والرأفة والرحمة والمودّة والإخاء، والتوحيد والعبوديّة لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له كما جاءت بها وأقرّتها جميعُ الأديان.
وُلِد (صلّى اللّه عليه وآله) يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيعٍ الأوّل بعد طلوع الفجر في عام الفيل بمكّة المعظّمة، في زمن الملك العادل أنوشيروان في الدار المعروف بدار محمد بن يوسف، وكان للنبيّ(صلّى اللّه عليه وآله) فوهبه لعقيل بن أبي طالب فباعه أولاده لمحمّد بن يوسف أخي الحجّاج، فأدخله في داره.
فلمّا كان زمن هارون أخذته خيزران أمّه فأخرجته وجعلته مسجداً، وهو الآن معروفٌ يُزار ويُصلَّى فيه، وبُعث (صلّى اللّه عليه وآله) بالرسالة يوم السابع والعشرين من رجب.
روى الشيخ الصدوق عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: كان إبليس لعنه اللّه يخترق السماوات السبع، فلمّا وُلِد عيسى(عليه السلام) حُجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق أربع سماوات، فلمّا وُلِد رسولُ اللّه(صلّى اللّه عليه وآله) حُجب عن السبع كلّها، ورُمِيت الشياطين بالنجوم وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتاب يذكرونه.
وقال عمرو بن أميّة وكان من أزجر أهل الجاهليّة، أنظروا هذه النجوم التي يُهتدى بها ويُعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإنْ كان رُمي بها فهو هلاك كلّ شيء، وإنْ كان ثبتت ورُمي بغيرها فهو أمرٌ حدث، وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة وُلِد النبيّ(صلّى اللّه عليه وآله) ليس منها صنمٌ إلّا وهو منكبٌّ على وجهه، وارتجّ في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة، وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادي السماوة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك من ألف عام، ورأى الموبذان في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم وانفصم طاقُ الملك كسرى من وسطه وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نورٌ من قِبَل الحجاز ثمّ استطال حتّى بلغ المشرق، ولم يبق سريرٌ لملكٍ من ملوك الدنيا إلّا أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبقَ كاهنة في العرب إلّا حُجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسُمُّوا آل اللّه، قال أبو عبد اللّه الصادق(عليه السلام) إنّما سُمّوا آل اللّه لأنّهم في بيت اللّه الحرام.
وقالت آمنة: إنّ ابني، واللّه سقط فاتَّقى الأرض بيده ثمّ رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثمّ خرج منّي نورٌ أضاء كلّ شيء، فسمعت في الضوء قائلاً يقول: إنّكِ قد ولدتِ سيّد الناس فسَمِّيه محمّداً.
وأُتِي به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمُّه، فأخذه ووضعه في حجره، ثم قال: الحمد للّه الذي أعطاني هذا الغلام الطيّب الأردان، قد ساد في المهد على الغلمان، ثمّ عوّذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعاراً، قال: وصاح إبليس (لعنه اللّه) في أبالسته فاجتمعوا إليه فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيّدنا؟.
فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدثٌ عظيم ما حدث مثله منذ رُفِع عيسى بن مريم(عليه السلام)، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟ فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئاً.
فقال إبليس (لعنه اللّه): أنا لهذا الأمر.
ثمّ صار مثل الصرّ وهو العصفور فدخل من قِبَل حراء فقال له جبرئيل(عليه السلام): ما وراءك لعنك اللّه، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض، فقال له: وُلِد محمد(صلّى اللّه عليه وآله) فقال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا.
قال: ففي أمّته؟ قال: نعم. قال: رضيت.
رمز الخبر: 364220
٢٤ أكتوبر ٢٠٢١ - ١٣:١٧
- الطباعة
وكالة الحوزة - في السابع عشر من ربيعٍ الأوّل يستذكر المسلمون في شتّى البقاع ذكرىً عطرةً طيّبة؛ ألا وهي مولد خير الخلق أجمعين سيّدنا محمد(صلّى الله عليه وآله).